top of page

الاتجاهات الجديدة في سياسة الدفاع في الدول العربية



كانت الاضطرابات الأمنية والحروب الأهلية والإرهاب والصراعات العابرة للحدود من السمات الثابتة في منطقة الشرق الأوسط لما يقرب القرن من الزمن. غير أنّ ردة الفعل الاستراتيجية الفردية والجماعية للقادة الإقليميين للدول الرئيسة، قد تغيرت بشكل جذري خلال العقد الماضي، ممّا أثّر في نتائج النزاعات التي تحدث داخل منطقتهم أو في البلدان المجاورة لشرق البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا جنوب الصحراء.


فعلى سبيل المثال، ساهمت التدخلات العربية في النزاعات السياسية والمسلحة في ليبيا واليمن ودول الشرق الأوسط ​​وإثيوبيا، في السنوات الثلاث الماضية، بشكل ملحوظ في تشكيل نتائجها.


تتمثل إحدى السمات الرئيسة لاستراتيجية ردة الفعل الجديدة التي اعتمدها صناع السياسة الدفاعية في الشرق الأوسط في الاستثمار الكبير في تطوير أجهزتهم العسكرية بأحدث التقنيات القتالية المتقدمة.


بالإضافة إلى ذلك، فقد بدأت بعض دول الشرق الأوسط في الاستثمار في تحسين صناعاتها الدفاعية المحلية، إما من خلال إنشاء خطوط إنتاج خاصة بها أو من خلال عقد شَراكات صناعية مع مصنعي الأسلحة من أماكن مختلفة في العالم.


إن التغيير في سياسات الدفاع الإقليمية والفردية لدول الشرق الأوسط تعمل ضمنياً على تبديل أولويات عمالقة الصناعة الدفاعية.



محفزات التطوير


التوجه الجديد للسياسة الدفاعية لدول الشرق الأوسط هي النتيجة الطبيعية للفوضى الأمنية والسياسية التي عصفت بالمنطقة في أعقاب الربيع العربي حيث خلقت الموجات الغاضبة للثورات الشعبية التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط من تونس إلى سوريا، ما بين ٢٠١٠ و٢٠١١، فراغًا أمنيًا.


في ظلّ هذه الفوضى، تحولت التهديدات الأمنية التي تواجه الدول العربية من تهديدات الجيوش التقليدية للدول المعادية إلى تهديدات المجموعات المسلحة غير النظامية التي لا يمكن السيطرة عليها.


تبلور أحد مظاهر هذه الرؤية الجديدة في تشكيل قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، عام ٢٠١٥، للتعامل مع التهديدات، حيث انضمت عشر دول عربية من شمال إفريقيا والخليج إلى قوات التحالف العربي بمجرد موافقة جامعة الدول العربية عليه، واحتفلت المنطقة بالخبر كبداية لعصر جديد من التضامن العربي.


ليست قوات التحالف العربي الشكل الأول للتعاون العسكري العربي. ففي عام ١٩٦٢، دعا الرئيس المصري آنذاك، جمال عبد الناصر، إلى تشكيل القيادة العسكرية العربية الموحدة لمحاربة إسرائيل. كانت الأردن وسوريا الدولتين الوحيدتين اللتين انضمتا إلى القيادة العسكرية تحت قيادة مصر قبل الهزيمة المؤلمة من قبل إسرائيل وحلفائها الغربيين في حرب الأيام الستة عام ١٩٦٧.


وفي الآونة الأخيرة، اقترح العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إنشاء تحالف عسكري عربي، على غرار حلف الناتو، بمعنى أنه غير مرتبط بهدف محدد أو بجدول أعمال محدد زمنياً. وأشاد عدد من القادة العرب بالفكرة.


من إيجابيات توحيد العرب في قوات التحالف العسكري العربي أنها أعطت القادة الإقليميين الجدد نظرة ثاقبة على نقاط الضعف في أداء جيوشهم.



شراء الأسلحة


عملياً، من إيجابيات توحيد العرب في قوات التحالف العسكري العربي أنها أعطت القادة الإقليميين الجدد نظرة ثاقبة على نقاط الضعف في أداء جيوشهم.


لقد أدرك القادة ضرورة ترقية أنظمتهم العسكرية وجيوشهم لجعلهم قادرين على ردع الأعداء التقليديين وغير التقليديين. لم تركز عملية الترقية على تجديد المعدات فحسب، بل كان عليها أيضًا التعامل مع تدريب الأفراد.


نتيجة لذلك، شهدت الفترة ما بين ٢٠١٤ و٢٠٢٠ ارتفاعًا حادًا في الإنفاق العسكري من قبل معظم الدول العربية، وخاصة مصر ودول الخليج، على بناء قدرات الأفراد وشراء الأسلحة. وبحسب قاعدة بيانات البنك الدولي، فقد بلغ الإنفاق العسكري للدول العربية ما بين ٢٠٠٩ و٢٠٢٠ ما قيمته ١,٤٢ تريليون دولار. هذا وقد شهد عام ٢٠١٤ أعلى إنفاق عسكري على الإطلاق في تاريخ الشرق الأوسط بإجمالي ١٨٢,٧٩ مليار دولار، مقارنة، على سبيل المثال، بـ ٦١,١٦ مليارًا في عام ٢٠٠٤ و١٤١,٤٢ مليارًا في عام ٢٠٢٠.


وفقًا لتقرير التوازن العسكري، الذي نشره المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) في عام ٢٠١٦، سجلت الدول الأعضاء في قوات التحالف العربي أعلى إنفاق عسكري في الأعوام الممتدة بين ٢٠١١ و٢٠١٥. خلال تلك الفترة، زادت واردات السعودية من الأسلحة بنسبة ٢٧٪، وواردات الإمارات بنسبة ١٨٪، وواردات مصر بنسبة ٣٧٪.


منذ الستينيات على الأقل، كانت منطقة الشرق الأوسط أكبر الأسواق وأكثرها ربحًا لمصدّري الأسلحة على طرفي نظام العالم ثنائي القطب. ومع ذلك، فإن الاتجاه الناشئ لتجارة الأسلحة العربية المكثفة يُستخدم أيضًا، كشكل من أشكال الدبلوماسية العسكرية، لتعزيز العلاقات بالحلفاء القدامى وخلق روابط جديدة مع أصدقاء جدد.



تنويع مصادر التسلح


هناك اتجاه لافت آخر في السياسة الدفاعية المتجددة للدول العربية وهو استمرار الجيوش الإقليمية في تنويع مصادر تسليحها. يتعلق جزء من ذلك بظهور مصدّرين جدد، مثل الصين واليابان وتركيا، الذين يقدمون صفقات أكثر ملاءمة للمستوردين العرب، من حيث السعر والتسليم، مقارنة بالمتاعب السياسية والدبلوماسية التي عادة ما تصاحب عملية الشراء من روسيا أو الولايات المتحدة.


والحالة الأكثر إثارة للاهتمام في هذا الصدد هي حالة مصر. فعلى مدى العقود الأربعة الماضية، اعتمدت مصر، بشكل شبه حصري، على الولايات المتحدة في التسلح.


تتلقى مصر حزمة مساعدات عسكرية سنوية بقيمة ١,٣ مليار دولار من الولايات المتحدة، منذ عام ١٩٧٩، وفقًا لبنود اتفاق السلام بينها وبين إسرائيل. بعد بضعة أشهر من الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين من السلطة، في عام ٢٠١٣، قررت إدارة أوباما تجميد المساعدات العسكرية لمصر، وبالتالي تعليق جهود المشتريات العسكرية. تم رفع تجميد المساعدات جزئيًا في عام ٢٠١٥، ثم تم فرضه مرة أخرى في عام ٢٠١٦، وبعدها تمت الموافقة عليه في عام ٢٠١٨ من قبل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. ولكن، قرر ترامب قبل أن يترك منصبه في عام ٢٠٢٠ قطع جزء من المساعدة المقدمة لمصر، مدعياً أن مصر استخدمت أموال المساعدات الأمريكية لشراء طائرات مقاتلة من روسيا.


منذ عهد مبارك وهذا النمط يتكرر. ومع ذلك، قررت القيادة السياسية الحالية في مصر للرئيس السيسي تنويع مصادر التسلح للجيش المصري. واليوم، يشمل مصدرو الأسلحة لمصر: روسيا والصين واليابان وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وكوريا الجنوبية.


وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، احتلت مصر المركز الثالث بين أكبر 25 مستوردًا للأسلحة في العالم في عام ٢٠١٩.