top of page

كيف أصبحت القوات البحرية المصرية سادة البحرين الأحمر والمتوسط؟



قبل سبع سنوات فقط، كانت القوات البحرية المصرية تعمل في ظروف شديدة الصعوبة، اعتماداً على معدات قديمة ومستهلكة، وفريق عمل مخلص لكن محدود المهارات، نظراً لأن عدد قليل جداً من أفراده هم من كانوا يحصلون على فرص للإعداد والتدريب المستمر، خصوصاً في الخارج. لكن اليوم، أصبحت البحرية المصرية واحدة من بين أقوى عشرة أساطيل على مستوى العالم، ليس فقط على مستوى المعدات ولكن أيضاً على مستوى الضباط والأفراد الذين يشاركون بشكل مستمر في التدريبات العسكرية المشتركة مع دول أخرى حول العالم.


لقد بذلت إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي جهودًا كبيرة، في وقت قياسي لا يتجاوز الخمس سنوات فقط، للارتقاء بأداء وإمكانيات القوات المسلحة المصرية بشكل عام، والقوات البحرية على وجه الخصوص، إلى المستوى المذهل الذي نراه الآن. مرت عملية تطوير القوات البحرية المصرية عبر ثلاثة خطوط متوازية:


أولها: تحديث المعدات ونقل التكنولوجيا العالمية للمصانع المحلية التابعة للقوات البحرية؛

ثانيها: تعزيز مهارات الأفراد بإخضاعهم للتدريب المستمر محلياً ودولياً؛

ثالثها: بناء قواعد بحرية عملاقة على مواقع جيوسياسية حساسة بطول شواطئ البحر المتوسط والبحر الأحمر.



البحرية المصرية.. سادة البحار


وفقًا لتصنيف جلوبال فايرباور لعام ٢٠٢١، تحتل القوات البحرية المصرية المرتبة السابعة كأقوى أسطول بحري في العالم. وهذا يجعل مصر أكبر قوة بحرية في حوضي البحر المتوسط والبحر الأحمر. على سبيل المقارنة، تقع تركيا واليونان، الجارتان المباشرتان لمصر في شرق المتوسط، في المرتبتين ٢٠ و٢٣ على التوالي في نفس التصنيف. بينما صُنّفت القوات البحرية الإيطالية والفرنسية، المشهورتين بقوتهما تاريخياً، في المركزين الحادي عشر والسابع عشر على التوالي. بينما في البحر الأحمر، يقع جيران مصر على الشاطئين الأفريقي والأسيوي في ترتيب متأخر للغاية من حيث قوة أسطولهم البحري.


بدأت رحلة تحديث القوات البحرية المصرية في يناير ٢٠١٧ باتخاذ القيادة العليا للقوات المسلحة قراراً تاريخياً بقسم الأسطول البحري المصري إلى أسطولين: شمالي وجنوبي. تغطي عمليات الأسطول الشمالي منطقة البحر المتوسط بهدف تأمين الجبهتين الاستراتيجيتين الشمالية والغربية لمصر، بينما يتركز عمل الأسطول الجنوبي في منطقة قناة السويس والبحر الأحمر، وهو مسؤول عن تأمين الجبهتين الشرقية والجنوبية لمصر. وقد أدى إعادة توزيع القوات البحرية في أسطولين إلى تحسن واضح في أداء ومرونة عملية صناعة القرار داخل القوات البحرية، كما قدم منظور جديد للقيادة العليا بشأن أولويات تسليح كل أسطول منهما بما يتناسب مع طبيعة العلميات التي يقوم بها والتحديات التي يفرضها محيطه الجغرافي والسياسي.


تم تصميم البنية التحتية وتوزيع الأفراد والمهام على الأسطولين الشمالي والجنوبي بحيث يكون كل منهما قادر على ردع التهديدات المحتملة الناشئة عن الصراعات الإقليمية والجيوسياسية المتنامية في شرق المتوسط والقرن الأفريقي، كما أنها تعزز مكانة مصر الاقتصادية كمركز لوجيستي آمن بين أوروبا وأفريقيا وآسيا في منطقة تعج بالتهديدات الإرهابية وسيطرة الميليشيات على الممرات البحرية الهامة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ميليشيات الحوثي في اليمن وتنظيم داعش في الصومال. لا تقتصر الأهمية الاقتصادية لمصر على كونها الدولة التي تملك وتدير قناة السويس وحسب، ولكن أيضاً أضافت اكتشافات الغاز الأخيرة، في المنطقة البحرية المصرية في البحر المتوسط، أهمية خاصة لمصر كمحور جديد للطاقة بين القارات الثلاث.


من ناحية، تم تصميم الأسطول الشمالي للتعامل مع الصراعات الجيوسياسية المتصاعدة في شرق البحر المتوسط على تحديد الحدود البحرية وموارد الطاقة المستخرجة منها. وتتمثل مهمته الأساسية في حماية المصالح الاقتصادية لمصر، وخاصة حقول الغاز المبنية حديثًا، وأيضاً مشروع شبكة الكهرباء العابرة للقارات التي ستربط مصر وإسرائيل وقبرص واليونان عبر مياه المتوسط. بالإضافة إلى ذلك، تم تدريب وتجهيز الأسطول الشمالي للسيطرة على تدفق الهجرة غير الشرعية من شمال إفريقيا إلى أوروبا.


من ناحية أخرى، يتولى الأسطول الجنوبي، في غالب مهامه، ردع التهديدات الأمنية اللانهائية القادمة من الفوضى السياسية في اليمن ومنطقة القرن الأفريقي، حيث تقوم المنظمات الإرهابية والميليشيات التي ترعاها إيران باستمرار بمضايقة السفن وإغلاق الممرات البحرية الحيوية. من ثم، فإن الأسطول الجنوبي للبحرية المصرية يلعب دوراً حاسماً في تأمين تدفق حركة التجارة الدولية بين آسيا وأفريقيا وأوروبا عبر البحر الأحمر وقناة السويس، بالرغم من كل التحديات الأمنية التي تعترض طريقها.



قواعد بحرية عملاقة لمهام جيوسياسية معقدة


في الأسبوع الأول من يوليو، دشّن الرئيس السيسي القاعدة البحرية التي طال انتظارها في ميناء جرجوب على الساحل الشمالي الشرقي لمصر على البحر المتوسط. تم تسمية القاعدة البحرية العملاقة الجديدة، التي تبلغ مساحتها ٢٦٥٠ فدان، اسم "الثالث من يوليو" احتفاءً بذكرى اليوم العظيم الذي اتحدت فيه إرادة الشعب والجيش للإطاحة بنظام الإخوان المسلمين من السلطة في عام ٢٠١٣. حضرت احتفال التدشين وفود رفيعة من الدول العربية المجاورة، ومنهم سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لدولة الإمارات، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي المؤقت محمد المنفي.


تُعد قاعدة "الثالث من يوليو" البحرية الجديدة، في جرجوب، هي ثالث قاعدة بحرية، ورابع قاعدة عسكرية، يتم بناؤها خلال السنوات الخمس الماضية. القواعد العسكرية الأخرى هي: قاعدة رأس بناس البحرية في جنوب البحر الأحمر، وقاعدة بورسعيد البحرية المركزية شمال شرق قناة السويس، وقاعدة محمد نجيب العسكرية الشهيرة في مدينة مرسى مطروح بالبحر المتوسط.


جدير بالذكر هنا أن قاعدة محمد نجيب، التي بدأت العمل في يوليو ٢٠١٧، هي أكبر قاعدة عسكرية من نوعها في إفريقيا والشرق الأوسط. تتمثل مهمتها الأساسية في تأمين محطة الضبعة النووية، وهي أيضاً مصممة لاستيعاب العمليات الخاصة التي تقوم بها القوات الجوية والبحرية والبرية. في سبتمبر ٢٠١٨، استضافت قاعدة محمد نجيب التدريبات العسكرية الشهيرة "النجم الساطع" التي تتم تحت إشراف القيادة المركزية الأمريكية، وشاركت فيها قوات جوية وبرية وبحرية من كل من مصر والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا واليونان وإيطاليا والسعودية والأردن، بالإضافة إلى ١٦ دولة مراقبة.


يُعتقد أن قاعدة "الثالث من يوليو"، التي تقع على بعد سبعين كيلومتر فقط من قاعدة محمد نجيب العسكرية، سوف تلعب دور رئيسي في تعزيز التعاون السياسي والعسكري بين مصر وجارتها الغربية ليبيا، التي تمثل العمق الاستراتيجي الغربي للأمن القومي المصري، بهدف إنهاء التدخل العسكري التركي والروسي على الأراضي الليبية، والذي يشكل مصدر قلق مستمر لمصر، حيث تقع قاعدة "الثالث من يوليو" على شاطئ البحر المتوسط بين مدينتي مرسى مطروح وسيدي براني، وتبعد مسافة ١٢١ كيلومتر (حوالي ساعة ونصف بالسيارة) بعيداً عن ليبيا. وقد كان لحضور الرئيس الليبي محمد المنفي في حفل تدشين القاعدة البحرية أهمية خاصة تدعم هذه الفرضية.



من معدات بالية إلى المسترال


لتسهيل استيعاب حجم التطوير الذي حدث في القوات البحرية المصرية، خلال الخمس سنوات الأخيرة، دعنا نقارن الأسلحة والمعدات المتقدمة التي تمتلكها البحرية المصرية اليوم بما كانت تمتلكه قبل عشر سنوات. في عام ٢٠١١، كانت معدات القوات البحرية المصرية عبارة عن أربع غواصات صينية في حالة سيئة، من انتاج الثمانينات، بالإضافة إلى اثنتين من السفن الحربية المستعملة التي أعادت البحرية الأمريكية تدويرها وباعتها لمصر في التسعينيات.


تمر الأيام سريعًا إلى العام ٢٠٢١، أصبحت مصر واحدة من خمس دول فقط، في العالم بأسره، تمتلك حاملات طائرات هجومية. لا يوجد سوى ٣٧ حاملة طائرات في العالم، وهي مملوكة للدول الكبرى في المجتمع الدولي: الولايات المتحدة، روسيا، الصين، وفرنسا. في عام ٢٠٠٠، قامت فرنسا بتصنيع وبيع سفينة عرض وقيادة للبرازيل. تمتلك مصر اثنتين من الـ٣٧ حاملة، هما السفينتان الهجوميتان البرمائيتان مسترال: جمال عبد الناصر وأنور السادات.


بالإضافة إلى ذلك، تمتلك البحرية المصرية فرقاطات "فريم" التي تم تصنيعها في إيطاليا وفرنسا خصيصاً لمصر؛ بالإضافة إلى الغواصات الهجومية المتطورة فئة ٢٠٩/١٤٠٠مود، وكورفيت جوويند تصنيع محلي / مشترك. في يناير من العام الجاري، احتفلت البحرية المصرية بإنتاج أول كورفيت جوويند مصري الصنع وأطلقت عليه اسم "بورسعيد". هذه هي أول سفينة حربية في الأسطول المصري يتم تزويدها بنظام مراقبة مدمج يمكنه اكتشاف وتعقب السفن والطائرات والغواصات المنافسة. ومنذ عام ٢٠١٨، تعمل المصانع البحرية المصرية عن كثب مع شركات بناء السفن الفرنسية والألمانية على نقل أحدث التقنيات في هذا المجال إلى مصر.


كما رفع الرئيس السيسي العلم المصري على ٤٧ قطعة حربية بحرية جديدة، إيذانًا بدخولها الأسطول المصري في حفل افتتاح قاعدة "الثالث من يوليو" في جرجوب، في وقت سابق من الشهر الجاري. تشمل القطع البحرية ٢٨ قطعة من القوارب الصلبة القابلة للنفخ (المعروفة اختصاراً بـ: RIB أو RHIB)، وهي زوارق طافية عالية السرعة يمكنها العمل بكفاءة عالية في أسوء الظروف الجوية رغم وزنها الخفيف، وتستخدم في مهام الإدخال والإخلاء عن طريق البحر أو البر أو الجو، وهذه القوارب عادة ما تستخدمها فرق الكوماندوز البحرية وفرق سيل (SEAL) الأمريكية.



أفراد مخلصون بمهارات عالمية