جميعنا لديه دراية كبيرة بتنظيمات إرهابية مثل القاعدة وداعش وبوكو حرام وحزب التحرير. لست بحاجة إلى أن تكون خبيرًا في التطرف والإرهاب لتفهم المنهاج المدمر الذي تتبناه هذه الجماعات، إلا أن الأمر الذي لا يعرفه الكثيرون هو أن كل هذه التنظيمات الإرهابية قد تأسست بمعرفة أفراد ذات صلة سابقة أو حالية بجماعة الإخوان المسلمين.
إن جماعة الإخوان المسلمين هي حركة دينية سياسية، هدفها المعلن هو استبدال الأنظمة القانونية الغربية بنسختهم الخاصة من الشريعة الإسلامية - وهي نسخة أكثر وحشية مما هو موجود بالفعل في العديد من الدول الإسلامية حول العالم، وتقوم مبادئها التأسيسية على فكرة إقامة خلافة عالمية تحت قيادة زعيم لديه السلطة السياسية والدينية الأعلى.
تأسست جماعة الإخوان المسلمين في عام ١٩٢٨، وهناك اعتقاد عام بأن الجماعة قد اتخذت منعطفًا أكثر عنفًا في حقبة الخمسينيات من القرن الماضي، عندما أخذ أبرز منظريها، سيد قطب، في الترويج لمبدأ الجهاد كسلاح ضد الحكومات العلمانية في العالم العربي، حيث جادل قطب بأن المجتمعات الإسلامية التي تعيش في ظل هذه الحكومات كانت موجودة في عصور الجاهلية، على غرار انتشار عبادة الأوثان قبل ظهور النبي محمد، ويعتقد قطب في أن الجهاد العنيف وقتل المسؤولين بالدولة العلمانية يمكن أن يمهد الطريق لتطبيق رؤية الإخوان، وأن كل من يقف ضد هذه الأيديولوجية هم تكفيريون - أو مرتدون - وبالتالي فهم أيضاً مستهدفين شرعاً.
تسعى جماعة الإخوان إلى تنفيذ رؤيتها بشأن إقامة الخلافة على مراحل، حيث روّج حسن البنا، مؤسس الجماعة، للبناء التدريجي بدءاً بالفرد المسلم، ثم الأسرة المسلمة، ثم المجتمع المسلم، وأخيراً الحكومة المسلمة أو الدولة الإسلامية، التي اعتقد أنها ستلزم جميع المسلمين باتباع شريعة الإخوان، ويمكن النظر إلى هذا على أنه عزل تدريجي للأفراد المسلمين عن الدول والمجتمعات العلمانية وغير الإسلامية.
عندما تنظر في أهداف تنظيمات مثل القاعدة وداعش وغيرهما، فسوف ترى بوضوح درجة تأثرهم بالتعريفات المتشددة عن دين الإسلام التي يتبناها الإخوان، والمتمثلة أيضاً في التيارات الوهابية والسلفية، إذ تشترك معهم هذه التيارات أيضاً في العديد من السمات والمعتقدات، بما في ذلك أن المسلمين قد انحرفوا عن أصل "الإسلام الطاهر" وأن التفسير الحرفي الصارم للقرآن والحديث هو فقط المقبول.
ويتضح أيضاً بنظرة سريعة أن الإخوان ليسوا حركة سلمية. إنهم يسعون إلى فرض أيدولوجية "الطهر" هذه على كافة أوجه الحياة، بدءاً من النشاط الجنسي وامتداداً إلى الأنشطة الاقتصادية والنظام الغذائي وحتى تصميم الملابس. فمنهجهم مطلق وكامل، وكل ما دونه يطلقون عليه صفة "بدعة"، وما أكثر الذين يخافون في المجتمع المدني الأوروبي من وصفهم "بالزنادقة" أو اتهامهم بـ "الإسلام-فوبيا" وهو الأمر الذي يدفع المجتمع الأوروبي بعيدًا عن تبني نهج أكثر حسماً تجاه الإخوان المسلمين.
لكن لحسن الحظ، بدأ الأمر يتغير في الفترة الأخيرة، حيث أصبحت النمسا، في مارس من العام الماضي، أول دولة أوروبية تحظر نشر واستخدام شعار جماعة الإخوان المسلمين وصنفت الجماعة كتنظيم متطرف. وفي يوليو من هذا العام، أطلقت النمسا مبادرة لتحديد وتسجيل المؤسسات المستهدفة من قبل المنظمات التي يسيطر عليها الإسلاميون لأغراض سياسية، وقالت وزيرة الاندماج "سوزان راب" إن الهدف من ذلك الإجراء كان إنهاء الهياكل الاجتماعية الموازية التي عززت نشوء جاليات تمارس الأبوية والانفصالية داخل المجتمع.
وقد تم الإشادة برؤية النمسا في هذا الشأن، وهي إشادة مستحقة برؤية رائدة تضح قيمتها بالمقارنة مع سياسات العديد من الدول الأوروبية الأخرى، بدءاً من شجاعة إدراك الخطر ثم خوض التحدي وكشف حقيقة العمل السري والتخريبي الذي تتبناه جماعة الإخوان المسلمين. إن السعي لفهم ومعالجة التهديد الذي تمثله الإسلاموية الأصولية يجب أن يكون على رأس أولويات الاتحاد الأوروبي، وكان يجب أن يحدث ذلك منذ زمن بعيد.
لا يزال الإرهاب، وخاصة الإرهاب الإسلامي المتطرف، يمثل تهديدًا قويًا في جميع أنحاء القارة الأوروبية. كما أن دولاً مثل فرنسا قد بدأت أيضاً تستفيق في مواجهة تلك التهديدات. في منتصف يوليو، أعادت الحكومة الفرنسية إطلاق جدول أعمال مبادرة "حالة الأمة" حول الحرب ضد الإسلاميين، ووعدت بسن تشريعات تستهدف الأنشطة الموجهة ضد الدولة الفرنسية لمحاربة تهديد الإخوان المسلمين. كما أنها تدرس فرض حظر على أنشطة الجماعة داخل الأراضي الفرنسية، وهي خطوة طال انتظارها.
وفي المملكة المتحدة، تعطي "سارة خان" و"اللجنة المستقلة لمكافحة التطرف" الأمل في أننا قد نرى قريبًا إجراءً حقيقيًا ضد هذه الجماعات المؤذية. حيث دعت خان وزارة الداخلية إلى بذل المزيد من الجهد لمعالجة ما تسميه "التطرف البغيض"، وهو شكل من أشكال التطرف غير العنيف. وقدم التقرير الرئيسي للجنة التعليم المستمر حول هذا الموضوع، العام الماضي، العديد من التوصيات المفيدة، بما في ذلك اعتماد تعريف حديث للتطرف وإنشاء فريق عمل جديد للتعامل مع الجماعات المتطرفة تحت رعاية وزارة الداخلية. وفي يونيو من هذا العام، أطلقت لجنة التعليم المستمر أيضًا مراجعة قانونية لفحص ما إذا كانت التشريعات الحالية تتعامل بشكل مناسب مع التطرف البغيض. إن تنفيذ توصيات كليهما سوف يشكل بداية جيدة في هذه القضية.
ما أهمية خطوات كتلك؟ حسنًا، خذ على سبيل المثال حزب التحرير، وهو منظمة مرتبطة بالإخوان مذكورة في تقرير لجنة التعليم المستمر، تم حظر المنظمة رسميًا في باكستان، في نوفمبر ٢٠٠٣، بسبب صلاتها المزعومة بالعديد من العمليات الإرهابية التي وقعت في البلاد، لكنها ما زالت تواصل العمل بشكل قانوني في المملكة المتحدة، مما أدى إلى تطرف الشباب الأنجلو-باكستانيين من الطبقة العاملة في الجاليات المهاجرة. وعلى الرغم من أن أساليب حزب التحرير قد تختلف عن التنظيمات الإرهابية العنيفة مثل تنظيم داعش، إلا أن حزب التحرير يروج لنفس الفكرة السامة القائلة بأنه لا يمكنك أن تكون بريطانيًا ومسلمًا في نفس الوقت، ويشارك داعش علانية في هدف إقامة خلافة إسلامية. وقد سبق وتعهد توني بلير، وفشل، في حظر الجماعة في أعقاب تفجيرات ٧/٧ في لندن، ومع الزخم المتجدد من قبل صانعي القرار في المملكة المتحدة، قد نرى فرض الحظر عليها وعلى الجماعات المتطرفة الأخرى في المستقبل القريب.
يتواجد الإخوان المسلمون في أوروبا منذ أكثر من نصف قرن، حيث أقاموا شبكات وأقاموا علاقات رسمية وغير رسمية مع السياسيين والمسؤولين الحكوميين. لقد أنتجوا العديد من الفروع التي تستمر في الترويج بشكل أو بآخر لأفكارهم المتشددة والإسلام السياسي، ساعية إلى عزل جاليات المسلمين عن الدولة وعن مجتمعاتهم الأكبر، وقد أظهرت فرنسا والنمسا أن الدول بإمكانها أن تستفيق وتتدارك الأمر في الوقت المناسب باتخاذ إجراءات عاجلة. ولقد حان الوقت لكي تفعل المملكة المتحدة الشيء نفسه.