يواجه جماعة الإخوان المسلمين الذين يعيشون في المملكة المتحدة، والمتعاطفون معهم، تحديًا جديدًا قد يعجّل من انهيار البناء الهيكلي للتنظيم، خصوصاً في ظل حالة الشقاق القائمة بين قادة الجماعة منذ فترة، حيث تعمل وزارة الداخلية البريطانية في الوقت الحالي على حظر حركة حماس بصفتها منظمة إرهابية بشكل كامل، وهو الأمر الذي من المتوقع أن يثير تساؤلات عن مستقبل الإخوان المسلمين في داخل بريطانيا، نظراً لدعم الإخوان المسلمين المعلن لحركة حماس على الأقل، فضلاً على الدعم السخي الذي تقدمه الدولة البريطانية لتنظيم الإخوان المسلمين، خصوصاً المقيمين منهم في بريطانيا. ومن ثم، فإن الطريقة التي ستختار جماعة الإخوان المسلمين التعامل بها مع القرار البريطاني وعواقبه، هي التي سوف تحدد مستقبل الجماعة أو ربما تكتب نهايتها.
في الأسبوع الماضي، أعلنت النائبة المحافظة، بريتي باتيل، أنها، بواقع سلطتها كوزيرة الداخلية، قد "اتخذت إجراءات لحظر حركة حماس بالكامل". بررت باتيل الخطوة بأنها تتم في إطار التزام الحكومة البريطانية الحالية بمكافحة التطرف والإرهاب أينما وُجد، وصرحت "تمتلك حماس قدرة إرهابية كبيرة، بما في ذلك الوصول إلى أسلحة واسعة المدى ومتطورة، فضلاً عن المرافق المعينة على ممارسة الإرهاب، وهي متورطة منذ فترة طويلة في أعمال عنف إرهابية كبيرة. حماس ترتكب الإرهاب وتشارك في إعداده ونشره".
في حين أن القرار النهائي لحظر حماس ما زال ينتظر تصويت البرلمان في خلال هذا الأسبوع، فمن المرجح أن القرار سيتم تمريره في نهاية المطاف. فقد سبق وتم تصنيف حماس جزئيًا كمنظمة إرهابية في المملكة المتحدة، عام ٢٠٠١، حين حظرت الحكومة البريطانية كتائب القسام، إحدى أشهر الميليشيات المسلحة التابعة لحركة حماس، بعد أشهر قليلة من حظر الاتحاد الأوروبي لحركة حماس ووصفها بالمنظمة الإرهابية، كما أن حماس مدرجة على قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية التي تصدرها الخارجية الأمريكية، منذ عام ١٩٩٥.
دافعت باتيل، ومعها كل الحق، عن موقفها الذي يقضي بحظر حركة حماس بالكامل بموجب "قانون الإرهاب ٢٠٠٠"، من خلال تسليط الضوء على أنه "لا يمكن التمييز بين الجناحين السياسي والعسكري لحماس". المفارقة هنا، أن نفس الشيء يمكن أن يقال عن جماعة الإخوان المسلمين، وهي التنظيم الأبوي الحاضن لحركة حماس. لكن على الرغم من هذه الحقيقة، ما زالت بريطانيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي يعمل فيها الإخوان المسلمون علانية بحرية شديدة ودون الحاجة لإخفاء هويتهم الحقيقية كما يفعلون في كل الدول الأخرى، وذلك بفضل الدعم غير المشروط الذي تتلقاه الجماعة من المخابرات البريطانية، والدولة العميقة هناك. نذكر مثلاً كيف تصدت المخابرات البريطانية لرئيس الوزراء السابق، ديفيد كاميرون، في عام ٢٠١٥، عندما أثبت من خلال تحقيقات حكومية عالية المستوى والدقة أن جماعة الإخوان المسلمين تستحق أن تُجرّم كتنظيم يروج للجهاد العنيف، حتى أنه بمجرد تولي تيريزا ماي منصب رئيس الوزراء، في عام ٢٠١٦، كان أول ما قامت به هو أن بدلت تحقيقات كاميرون بتحقيقات واستنتاجات جديدة تماماً تبريء ساحة الإخوان، كما أقرت مرسوم يسمح لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، الهاربين من مصر وغيرها، بالحصول على حق اللجوء إلى المملكة المتحدة، دون قيد أو شرط.
لكن، كيف سيكون الوضع الآن بعد تصنيف حماس؟ إن حركة حماس هي أحد الأجنحة المسلحة لجماعة الإخوان المسلمين، وربما أكثرهم شهرة، ولدى حماس سجل كبير من جرائم العنف، ارتكبتها على مدار أكثر من ثلاثين عاماً، ليس فقط ضد الإسرائيليين، ولكن أيضًا ضد الفلسطينيين العزل في داخل غزة، التي تهيمن حماس فيها على كافة أواصر السلطة السياسية، وقد تم بالفعل توثيق حالات تعذيب واحتجاز فلسطينيين على يد حماس من قبل العديد من منظمات حقوق الإنسان، والتي وصلت ذروتها في الخمس سنوات الأخيرة على وجه التحديد.
كما استهدفت ميليشيات حماس المدنيين والعسكريين المصريين في سيناء، أثناء وعقب ثورة ٢٠١١، حيث تسربت عناصر حماس إلى سيناء عبر الأنفاق غير الشرعية للاستفادة من حالة الفوضى في العاصمة المصرية. وعندما تولى الإخوان المسلمون السلطة عام ٢٠١٢، منحت حماس الضوء الأخضر لتشكيل تنظيمات إرهابية في سيناء، والتي قامت فيما بعد باستهداف المدنيين والعسكريين المصريين هناك، انتقاما لسقوط نظام الإخوان المسلمين عام ٢٠١٣. هذا بالإضافة إلى رعاية حماس لمنظمات جهادية عنيفة أخرى داخل غزة وسيناء، مثل الجهاد الإسلامي وأنصار بيت المقدس، والتي كانت النواة التي كونت التنظيم الذي عرّف نفسه في عام ٢٠١٤، باسم ولاية داعش سيناء.
عندما يتم تأكيده بواسطة البرلمان، فإن قرار الداخلية البريطانية بحظر حماس سوف يخضع أي شخص أو منظمة تظهر دعمًا لحركة حماس لعقوبة قانونية. وفقًا لقانون الإرهاب، قد تشمل العقوبة السجن لمدة تصل إلى ١٤ عامًا. سيكون هذا هو الكابوس الجديد لأعضاء الإخوان المسلمين والمنظمات التابعة للجماعة التي تعيش وتعمل بأمان في المملكة المتحدة منذ عقود. وسيمتد ذلك أيضًا إلى أنصار الإخوان المسلمين والمدافعين عن حماس داخل البرلمان البريطاني. ومن الأسماء البارزة التي تتبادر إلى الذهن في هذا الصدد، جيرمي كوربين، الوجه الشهير لحزب العمل اليساري. إذ يُعرف عن كوربين مواقفه الودودة تجاه تنظيمات الإسلام السياسي، ودفاعه الدائم عنهم، بما في ذلك الجماعات الإسلامية التي تمارس الجهاد العنيف، مثل حماس وحزب الله. كما أن الكثير من السياسيين في بريطانيا يصفونه بأنه معادي للسامية.
تمر جماعة الإخوان المسلمون بالفعل عبر واحدة من أعقد وأصعب اللحظات في تاريخها الممتد لقرن كامل من الزمن، بسبب الانقسامات الشديدة بين قادة الجماعة المشردين بين لندن وإسطنبول. في ضوء ذلك، فإن تصنيف المملكة المتحدة لحركة حماس كمنظمة إرهابية وما يترتب على ذلك من تأثير على شرعية خطاب ووجود الإخوان المسلمين، في بريطانيا وفي جميع أنحاء العالم، قد يكون بمثابة كرة التحطيم التي قد تعجل من انهيار التنظيم الإسلامي السياسي الأشهر في العالم، أو ربما يكون استهداف حماس من قبل الحكومة البريطانية، هو بمثابة جرس الإنذار الذي سيجبر قادة الإخوان المسلمين على تنحية خلافاتهم وإنهاء صراعاتهم والسعي للم شمل الجماعة في أسرع وقت، استعداداً للأيام السوداء التي تنتظرهم.
اقرأه أيضاً على المدار
Comments