لو أن لي أمنية واحدة أرجو أن تتحقق في عام ٢٠٢٢، حتماً سوف اختار أن تتخلص مصر من الزبالة التي أصبحت تشوه كل جميل في أيامنا، بدءاً من الزبالة التي يصفونها بأنها أغاني أو نوع من فنون الأداء، والتي مع الأسف تجد من يدافع عنها ويدفع لأصحابها، والزبالة التي تملأ السوشيال ميديا على لسان الغوغاء الذين يرتكبون يمارسون الإرهاب الإليكتروني والمزايدة باسم الوطن ضد كل شخص يخالفهم في الرأي، وصولاً إلى الزبالة التي أصبحت مشهد معتاد على جوانب الطرق وفوق الأرصفة في أغلب شوارعنا، والتي تعكس فساد وخلل مزمن في منظومة الحكم المحلي في مصر، والتي تحتاج إلى قيام الدولة بشكل عاجل بإعادة هيكلتها، على الأقل من أجل ضمان استمرارية والحفاظ على المشروعات الوطنية العملاقة التي تقوم بها الدولة على المدى الطويل.
باستعراض سريع للتقدم الاقتصادي الذي أحرزته الدولة المصرية العام الماضي، يمكننا أن نفهم حجم المشكلة الناتجة عن الفارق الضخم بين الأداء المتقدم جداً للدولة على المستوى الوطني، مقارنةً بالأداء المتدني للغاية لأجهزة ومكاتب ومجالس الحكم المحلي بمسمياتها المختلفة. جميع المؤشرات الداخلية والخارجية تخبرنا بأن مشروعات التنمية التي يقودها الرئيس السيسي بإخلاص شديد منذ توليه الحكم قد بدأت تؤتي ثمارها بالفعل.
على الرغم من العبء الثقيل الذي خلفته جائحة كوفيد-١٩على الاقتصاد الوطني في كل دول العالم، فإن مصر هي واحدة من عدد قليل جداً من الدول التي أنهت عام ٢٠٢١ بفائض في الميزانية يقدر بنحو ١,٥٪، وبحسب بيانات البنك المركزي المصري، فقد تجاوز احتياطي النقد الأجنبي لمصر ٤٠ مليار دولار، وحافظ الجنيه المصري على استقراره أمام الدولار طوال العام. كما توقع صندوق النقد الدولي، في تقرير حديث له، أن تصبح مصر في عام ٢٠٢٢، هي ثاني أكبر اقتصاد في إفريقيا بعد نيجيريا، وثاني أكبر اقتصاد في جميع الدول العربية بعد السعودية، بناتج محلي يتجاوز ٤٣٨ مليار دولار.
وعلى مدى السنوات من ٢٠١٧ إلى ٢٠٢١، برزت مصر كمحور إقليمي لتصدير الطاقة إلى جيرانها عبر البحر المتوسط وأفريقيا والبحر الأحمر؛ تحديداً لغاز الطبيعي والكهرباء. خلال خمس سنوات فقط، تحولت مصر من بلد يعاني من نقص في الكهرباء وانقطاع متكرر للتيار الكهربائي، إلى بلد ينتج الكهرباء بفائض ٢٥ ميجاوات تزيد على احتياجات الاستهلاك المحلي التي يتراوح بين ٣٠ و٣٥ ميجاوات. بالإضافة إلى ذلك، تعد مشاريع الطاقة الشمسية الجديدة في صعيد مصر بزيادة حجم هذا الإنتاج وتحويل مصر إلى مركز لتصدير الطاقة إلى شرق ووسط إفريقيا في السنوات القليلة المقبلة.
في الوقت نفسه، فإن دول شرق البحر المتوسط المستهلكة للغاز الطبيعي بكثافة، مثل تركيا، أصبحت تعتمد بشكل متزايد على مصر في إمدادها بالغاز. وفقًا للبيانات التي نشرتها "إس أند بي جلوبال"، في الفترة بين أكتوبر وديسمبر، أرسلت مصر إلى تركيا سبع شحنات من الغاز الطبيعي المسال، مستخرجة من حقول الغاز المصرية في البحر المتوسط. في نفس الوقت، بدء عملاقة الاستثمار في قطاع الطاقة في المنطقة، بالبحث عن فرص لتنمية استثماراتهم في قطاع الطاقة في مصر، ومن أمثل ذلك دولة قطر التي تسعى حالياً لشراء أسهم في حقول البترول والغاز المصرية في البحر الأحمر.
هناك ثلاثة عوامل ساهمت في هذا النجاح الذي يصعب تجاهله للدولة المصرية في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وهي: أولاً، الدور العظيم للمؤسسة العسكرية في دعم اقتصاد الدولة وإدارة المشاريع الوطنية، خاصة خلال سنوات الذروة لوباء كوفيد؛ وثانياً، الدور المهم لوزارة الداخلية في استعادة الأمن في المحافظات الداخلية من خلال حل التنظيمات الإرهابية المحلية وصد الهجمات الإرهابية للذئاب المنفردة وتوقعها قبل حدوثها، وخاصة تلك التي تستهدف المواطنين المسيحيين؛ وثالثاً، جهود الدولة للحفاظ على علاقات صحية ومتوازنة مع جميع جيرانها في الشرق الأوسط والبحر المتوسط وأفريقيا، وهو منهج اعتمدته مصر بشكل واضح طوال عام ٢٠٢١ على وجه الخصوص.
أمام كل تلك العوامل الإيجابية، هناك عامل سلبي واحد فقط يهدد بانهيار كل ما تحققه الدولة من نجاحات في قطاع التنمية لو لم يتم التعامل معه بشكل مناسب وعاجل من جانب الدولة المصرية. يتمثل هذا العامل في الفساد المتجذر في منظومة الحكم المحلي في مصر، والناتج عن استمرار نفس المنظومة بنفس الأفراد منذ سنوات الفساد التي سبقت ثورة يناير وكانت أحد الأسباب الرئيسية في اشتعالها.
لم تجر في مصر انتخابات محلية منذ انتخابات المحليات في ٢٠٠٨، والتي كان يشوبها الكثير من التلاعب والتزوير الذي كان يمارس في ذلك الوقت دون حرج، في كل الانتخابات، ورغم قيام ثورتين في مصر منذ هذا التاريخ وصياغة دستور جديد ومناقشة قانون المحليات في البرلمان لسنوات، لم يتم اتخاذ أي خطوة حقيقية حتى الآن في هذا الاتجاه. بسبب ذلك، ما زال الكثير من المواطنين غير قادرين على الاستمتاع بثمار الجهود الجبارة التي يبذلها الرئيس والحكومة من أجل تحسين حياتهم، لأن هناك مسؤولين فاسدين على المستوى المحلي يجلسون على كراسيهم منذ أكثر من ١٣ سنة. كما أن استمرار منظومة الحكم المحلي بهذا الشكل يهدد بالانهيار المؤكد لكل المشروعات التي تقوم بها الدولة الآن لو تغير الرئيس أو تغيرت الدولة في المستقبل.
لذلك، في عام ٢٠٢٢، يجب أن تكون مسألة إعادة هيكلة منظومة الحكم المحلي في مصر على رأس الأولويات بالنسبة للدولة المصرية والرئيس السيسي، بشكل يتناسب مع ويواكب الجهود المبذولة لبناء الجمهورية الجديدة.
اقرأه أيضاً على المدار
Comments