top of page

محمد بن سلمان وتحطيم الأصنام التي أخرت السعودية



بمناسبة الذكرى الخامسة لإطلاق رؤية الدولة السعودية لـ ٢٠٣٠، أجرى التليفزيون السعودي حوار شيق ومثير مع الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية منذ يونيو ٢٠١٧، كما يشغل منصب وزير الدفاع ونائب رئيس مجلس الوزراء. حمل لقاء الأمير محمد بن سلمان رؤية شابة وطموحة لتحويل السعودية إلى دولة حديثة منفتحة على العالم اقتصادياً وثقافياً، دون أن يؤثر ذلك على الموروث الشعبي والديني الذي يميز السعودية ويكسبها خصوصيتها بين جميع دول العالم. فهل ينجح الشاب الثلاثيني الطموح محمد بن سلمان في تحقيق رؤيته في مواجهة العراقيل التي تلقى في طريقه، لا سيما من الخارج؟


ناقش الأمير محمد بن سلمان، في هذا اللقاء التليفزيوني، مسائل تتعلق بحفظ الأمن القومي للمملكة، خصوصاً في مواجهة الخطر الذي تشكله ميليشيات الحوثي ومن وراءها إيران، وكانت رسالته واضحة تماماً من حيث أن يديه ستبقى ممدودة بالسلام لكل من يريد السلام، بما في ذلك إيران، وفي الوقت نفسه سوف تستمر بلاده في تطوير المنظومة العسكرية وتقوية الجيش، الذي أصبح بالفعل من بين أقوى خمسة جيوش في منطقة الشرق الأوسط، حسب تصنيف جلوبال فايرباور لعام ٢٠٢١، ويأتي تصنيفه في المركز الرابع بعد أقوى وأقدم جيوش المنطقة: الجيش التركي، والمصري، والإيراني.


كما تحدث الأمير محمد بن سلمان عن مسألة تنمية الاقتصاد وما يصاحب ذلك من ضرورة تطوير المجتمع السعودي وتغيير طريقة عمل الحكومة ومنظومة القيادة السياسية في الدولة لمواكبة وتعزيز أهداف التنمية، وهو ليس أمر سهل. من أهم ملامح التنمية الاقتصادية التي تسعى السعودية لتحقيقها بحلول ٢٠٣٠، بحسب ما ذكره الأمير محمد بن سلمان، هو الانفتاح على الاستثمارات الخارجية وتطوير مناطق سياحية ذات هوية سعودية خالصة قادرة على جذب السائحين من جميع أنحاء العالم، وذلك من أجل القضاء على البطالة وما وصفه بـ "الدخل غير الجيد" بين قطاع عريض من الموظفين السعوديين، عبر تجاوز مسألة اعتماد الاقتصاد السعودي على النفط كمصدر وحيد للدخل.


لقد أصبح التوجه إلى إنهاء الاعتمادية على الموارد النفطية كمصدر وحيد للدخل أمر شائع بين دول الخليج العربي في الفترة الأخيرة، مما نتج عنه منافسة كبيرة فيما بينها على جذب الاستثمارات الأجنبية إلى أراضيها، وهو أمر جيد سيعيد رسم ملامح منطقة الشرق الأوسط كلها، حيث لم يعد الاعتماد على الثروة النفطية التي تتمتع بها هذه البلدان كافياً لتلبية احتياجات المواطنين وتطلعات الدول على المدى الطويل، كما أن الاكتفاء بالنفط كان سبب مباشر في حالة الانغلاق المجتمعي والعزلة الثقافية التي تعاني منها أغلب دول الخليج، وربما لو حدث هذا الانفتاح الاقتصادي لدول الخليج على العالم يكون بداية لتطور ثقافي في هذه المجتمعات من شأنه أن يغير الكثير في مستقبل الشرق الأوسط ككل.


قياساً على ما تم إنجازه منذ بدأ الأمير محمد بن سلمان في الظهور في دوائر صناعة القرار السياسي في السعودية، يبدو أن الأمير الشاب يدرك جيداً أنه لن يتمكن من تحقيق رؤيته الطموحة للتطوير الاقتصادي دون أن يحدث تطوير مجتمعي وثقافي شامل بالمملكة، وهنا تكمن أكبر الصعوبات والتحديات التي يواجهها ولي العهد، حيث أن هناك العديد من الأصنام التي تمثل موروثات مسلم بها داخل المجتمع السعودي، وقد أخذ الأمير على عاتقه، وبشجاعة شديدة، مهمة تحطيمها، ومنها صنم اعتماد التشريع والقانون العام بالدولة في الكثير من جوانبه على نصوص دينية متوارثة لم تعد موائمة للعصر الحديث، فضلاً على كونها بعيدة تماماً عن النص القرآني الذي وصفه ابن سلمان بأنه هو الدستور الذي تقوم عليه المملكة، ومنها أيضاً صنم تهميش المرأة وحرمانها من لعب دور مؤثر في الحياة العامة.


قال الأمير محمد بن سلمان في خطاب سابق له في شهر نوفمبر الماضي إن "المرأة السعودية في السابق لم تكن تستطيع السفر بدون تصريح، ولا تستطيع حضور المناسبات الرياضية والثقافية، ولا تستطيع قيادة السيارة، ولا تستطيع ممارسة الكثير من الأعمال، ولا تستطيع إنهاء قضاياها دون محرم، وقد عانت من ذلك لعشرات السنين، أما اليوم فتعيش المرأة السعودية مرحلة تمكين غير مسبوقة. فلقد عملنا على تمكين المرأة السعودية في مجال العمل والأحوال الشخصية، وباتت اليوم فعليا شريكا للرجل السعودي في تنمية وطننا جميعاً دون تفرقة. أنا لا أتطرق إلى قيادة المرأة السيارة فقط، أنا أتحدث عن تقديم الفرصة لها لتقود التنمية في وطنها بالمعنى الأشمل. فعلى سبيل المثال، تضاعفت نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من ١٧٪ إلى ٣١٪".


وليس سراً أن هذه الأصنام جميعاً تعود في أصلها إلى مصدر واحد هو التطرف الديني. لقد أعلن الأمير محمد بن سلمان، بالقول والفعل، منذ أن تولى ولاية العهد في ٢٠١٧، أنه لم يعد هناك مكان للتطرف، بكل أشكاله، في المملكة العربية السعودية. وقال في إحدى خطاباته العام الماضي: "كانت ظاهرة التطرف بيننا بشكل مستشرٍ، ووصلنا إلى مرحلة نهدف فيها، في أفضل الأحوال، إلى التعايش مع هذه الآفة، ولم يكن القضاء عليها خياراً مطروحاً من الأساس، ولا السيطرة عليها أمراً وارداً. لقد قدمت وعوداً في عام ٢٠١٧ بأننا سنقضي على التطرف فوراً، وبدأنا فعلياً حملة جادة لمعالجة الأسباب والتصدي للظواهر، وخلال سنة واحدة، استطعنا أن نقضي على مشروع أيديولوجي صُنع على مدى ٤٠ سنة، واليوم لم يعد التطرف مقبولاً في المملكة، ولم يعد يظهر على السطح، بل أصبح منبوذاً ومتخفياً ومنزوياً".


أي شخص في موقع الأمير محمد بن سلمان كان سيفضل أن يكتفي باتباع ما وجد عليه آباءه، دون الحاجة لتحطيم الأصنام التي أخرت المجتمع السعودي عن مواكبة العالم الحديث لعقود طويلة. لكنه كلف نفسه بمهمة أو تحدي لو نجح فيه سيعود ذلك بالنفع ليس فقط على المملكة العربية السعودية، ولكن أيضاً على منطقة الشرق الأوسط ككل، وأيضاً على العالم الذي يجب أن يقف بجانبه ويساعده في هذه المهمة، لا أن يتعمد إلقاء العراقيل أمامه بالشكل الذي نراه منذ فترة.


اقرأه أيضاً على ليفانت


bottom of page