advancing liberal democracy and countering violent extremism
Aug 1, 2020
5 min read
الناتو يستطيع محاسبة تركيا أردوغان
الناتو يستطيع محاسبة تركيا أردوغان
لقد وصلت الانتهاكات السياسية والدبلوماسية والعسكرية التي ارتكبتها تركيا أردوغان ضد دول شمال أفريقيا وجنوب أوروبا إلى حدود غير مسبوقة. طيلة شهرين، أضرم أردوغان نار الصراعات في حوض البحر المتوسط بهدف لي ذراع دول شرق المتوسط وإجبارها على الموافقة على مشاركة حقوق التنقيب في قاع البحر مع تركيا. بدأت الأمور في التدهور مع إعلان كل من مصر وفرنسا غضبهم تجاه قيام تركيا بنشر ميليشيات المرتزقة وعناصر من الجيش التركي في ليبيا، بما يهدد الأمن القومي والمصالح الاقتصادية لدول شمال أفريقيا وجنوب أوروبا. ثم بعد ذلك، قام أردوغان، بدم بارد، بتحدي مئات الملايين من المسيحيين حول العالم، من خلال تحويل الكاتدرائية التاريخية "آيا صوفيا" إلى مسجد وإقامة صلاة الجمعة فيها. وكأن هذا لم يكن كافياً، فلم يتردد أردوغان في انتهاك مبدأ حسن الجوار، ووضع المنطقة بأكملها على حافة الحرب، من خلال إرسال البوارج البحرية لتقضي أسبوع على حدود اليونان، قامت خلالها تركيا بتهديد الأمن القومي لليونان تحت مرأى ومسمع من المجتمع الدولي وحلف الناتو، الذي يضم في عضويته كل من تركيا واليونان.
تشير الأصابع إلى منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) بوصفها مسؤولة عن وضع حد لتجاوزات تركيا ضد جيرانها، خاصة بعد أن هددت تركيا بالهجوم على عضو آخر في الناتو، هي دولة اليونان، وواصلت مضايقتها بالبوارج العسكرية طيلة أسبوع كامل، إذ يتهم بعض المحللين الغاضبين، في وسائل الإعلام العربية والغربية، منظمة الناتو بدعم أردوغان بسبب صمت الحلف أمام تحركات تركيا الاستفزازية في شرق البحر المتوسط مؤخراً. بينما يرى البعض الآخر، أن حلف الناتو مكبل اليدين وليس بمقدوره فعل شيء لتحجيم تحركات تركيا العسكرية، بسبب القوانين الحاكمة للمنظمة، والتي لا تعطي الحلف سلطة على أعضائه غير الملتزمين، إما عن طريق الطرد أو إيقاف العضوية. إلا أن أي من الموقفين يخالف الحقيقة كثيراً، حيث أن الناتو غاضب تجاه تصرفات أردوغان ولا يؤيدها أو يدعمها، وربما التصريحات المنسوبة إلى قيادات عسكرية في الدول الكبرى داخل الحلف أكبر دليل على ذلك، كما أن حلف الناتو ليس مكبل اليدين تماماً تجاه محاسبة تركيا، بل إن المنظمة بإمكانه محاسبة أردوغان والسيطرة على جنونه الذي أصبح يشكل تهديداً مباشراً لدول أعضاء بالناتو أو دول حليفة معه.
من الناحية القانونية: صحيح أنه، في المعاهدة التأسيسية لحلف الناتو، لا يوجد بند ينص على إجراءات تعليق أو طرد الدول الأعضاء في حالة مخالفتهم لمبادئ الحلف، ولكن أيضاً لا يوجد بند يمنع الناتو من تعليق أو طرد دولة عضو غير ممتثلة لقوانينه وتهدد أعضاءه الآخرين، مثل تركيا، فبحسب المبدأ القانوني الشهير "الأصل في الأشياء الإباحة، ما لم يرد دليل المنع أو التحريم"، أي أنه لا شيء، حقيقةً، يمنع الدول الأعضاء في الناتو من اتخاذ قرار بالإجماع، متى أرادوا، بتعليق عضوية تركيا عقاباً على تصرفات الجيش التركي في المتوسط مؤخراً، وما أكثر المقدمات القانونية التي تستطيع المنظمة طرحها في إطار تبرير مثل هذا القرار، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: دعم أردوغان للتنظيمات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط، تهديد أردوغان العلني لدولة عضو في الناتو (اليونان)، انتهاك تركيا لمبادئ وقيم الناتو بما في ذلك احترام حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية، تحالف تركيا الدموي مع أعداء الناتو الرئيسيين روسيا وإيران؛ والقائمة ممتدة.
من الناحية الدبلوماسية: صحيح أن طرد تركيا من الناتو سوف يدفع تركيا لتوطيد علاقتها مع روسيا، أشهر وأقوى أعداء حلف الناتو، بما قد يضر بمصالح الحلف ودول أوروبا، لكن دقق في الأمر جيداً: أليست تركيا، بالفعل، حليف قوي مع روسيا وإيران، لدرجة أن مصالح الدول الأعضاء في الناتو أصبحت مهددة بفعل قوة هذا التحالف؟ يكفي مثلاً أنه في نوفمبر ٢٠١٩، قامت تركيا باختبار نظام الدفاع الجوي الروسي (إس-٤٠٠) على الطائرات المقاتلة (إف-١٦) الأمريكية ثم أبلغت روسيا بنتائج الاختبار، أي أن تركيا قامت بكشف القدرات العسكرية لدولة حليفة معها في الناتو هي أمريكا أمام دولة معادية للحلف هي روسيا، وليس هناك أسوء من ذلك لتفعله تركيا بزملائها في حلف الناتو، في حال تم طردها أو إيقاف عضويتها.
من الناحية الجيو-سياسية: صحيح أن تركيا تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي فريد بين أوروبا والشرق الأوسط، لا تتمتع به أي دولة أوروبية أخرى. ومع ذلك، نادراً ما استفادت أوروبا من وضع تركيا الجغرافي السياسي هذا، بل على العكس، تستخدم تركيا هذا الموقع الاستراتيجي لابتزاز أوروبا إما لدفع الأموال أو غض البصر عن جرائم النظام التركي في المنطقة. فعلى سبيل المثال، كلما أنتفض المجتمع الدولي لمحاسبة أردوغان على تدميره لسوريا، ورعايته للتنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط، وعلى رأسها تنظيم داعش، وجرائم الحرب والتطهير العرقي التي أرتكبها نظامه الفاشي في حق الأكراد في الشمال السوري، يلجأ أردوغان إلى حيلة التهديد بإغراق أوروبا باللاجئين السوريين وعناصر داعش الذين يقوم برعايتهم في شمال سوريا والعراق منذ اندلاع الحروب الأهلية في المنطقة، وللأسف في كل مرة ينجح أردوغان في ابتزاز أوروبا والمجتمع الدولي وإبقاءه صامتاً. أما الآن وقد قام أردوغان بنقل عدد كبير من المليشيات والمرتزقة من سوريا إلى ليبيا، وتمركزها في موضع قريب جداً من جنوب أوروبا، بما يهدد أمن دول أعضاء في حلف الناتو، فضلاً عن حلفاء الناتو في دول شرق المتوسط، وجب على المنظمة اتخاذ موقف حازم تجاه تهور تركيا أردوغان.
من الناحية العسكرية: يحق لحلف الناتو تماماً أن يشعر بالقلق بشأن فقدان القوة العسكرية الضخمة لتركيا، من خلال الطرد أو تعليق العضوية، حيث أن القوات المسلحة التركية هي ثاني أكبر قوة عسكرية دائمة في الناتو، بعد الولايات المتحدة، وتصل قوة الجيش التركي إلى ما يقرب من عشرين بالمائة (٢٠٪) من إجمالي قوة أعضاء السبع وعشرين (٢٧) دولة الأعضاء في الحلف والتي تبلغ ثلاثة ونصف مليون (٣.٥ مليون) عنصر. صحيح أن الأرقام لا تكذب، لكن يجب ألا تكون الأرقام هي المتغير الوحيد الذي تزن من خلاله المنظمة أهمية القوة العسكرية التركية بالنسبة للحلف، فالجيش التركي الحالي ليس هو الجيش التركي العلماني الكمالي المؤيد للديمقراطية الذي نعرفه. إنه جيش أردوغان، الذي يكرس طاقاته وقدراته بالكامل لخدمة أجندة جماعة الإخوان المسلمين والفاشية العثمانية، التي يؤمن بها أردوغان ونظامه، في كل من أوروبا والشرق الأوسط. وجيش أردوغان هذا لم يتردد في التحرش علناً بدولة حليفة مثل اليونان، أو اختبار الصواريخ الروسية على الطائرات المقاتلة الأمريكية. الجيش التركي بقيادة أردوغان يقوم بدعم الإرهابيين ويدربهم على تدمير الدول الوطنية وتهديد أمن واستقرار الدول ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن أيضاً في أوروبا. وبسبب التصرفات غير المسؤولة التي يقوم بها جيش أردوغان في شرق المتوسط الآن، حدثت خلافات وانشقاقات غير مرغوب فيها بين أعضاء الحلف. مثل تركيا بالنسبة لحلف الناتو كمثل جسم غريب اخترق الجسد الواحد الصحيح، ويجب إزالة هذا الجسم الغريب أو معالجة ما تسبب فيه من أمراض أولاً بأول، حتى يتعافى الجسد ويستعيد تماسكه وقوته.
باختصار، يمكن لحلف الناتو، بل يجب عليه، التدخل لمحاسبة تركيا أردوغان قبل فوات الأوان. ونحن، هنا، لا نطلب بالضرورة بطرد تركيا من الناتو أو تعليق عضويتها، ولكن نطالب باتخاذ حلف الناتو موقف حاسم وواضح تجاه الانتهاكات المستمرة التي يرتكبها أردوغان باستخدام الجيش التركي في حق الدول الأعضاء، أو على الأقل نريد أن نرى رد جماعي رادع من قبل الدول الكبرى داخل الحلف، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، من شأنه إجبار أردوغان على العودة إلى رشده والتوقف عن ما يفعله في شرق المتوسط. إذ أن سياسة الانتظار والصبر التي يتبعها حلف الناتو حالياً أمام جنون أردوغان الذي وصل لحدود غير مسبوقة، سوف يؤدي حتماً إلى سلسلة من الأزمات الكارثية على المستويين السياسي والعسكري، في المستقبل، والتي سيصعب كثيراً السيطرة عليها، فيما بعد.