في أغسطس، التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في أنقرة، مع مستشار الأمن القومي لدولة الإمارات الشيخ طحنون بن زايد. كان اجتماعهما مفاجأة لمعظم المراقبين، حيث ظلت العلاقة بين تركيا والإمارات متوترة طيلة سنوات بسبب اختلاف مواقفهما ومصالحهما حول بعض القضايا الإقليمية، خاصةً في ملف ليبيا والأكراد على الحدود الجنوبية لتركيا. أما وقد قررت القوتان الإقليميتان المؤثرتان أخيرًا الجلوس معًا، هل سيؤدي تعاونهما، بدلاً من تصادمهما، إلى تغيير الديناميكيات السياسية التي شكلت أحداث الشرق الأوسط على مدى السنوات الماضية؟
خلال أزمة الخليج العربي، التي استمرت من مايو ٢٠١٧ إلى يناير ٢٠٢١، اختارت تركيا الوقوف إلى جانب قطر ضد الرباعي العربي المكون من الإمارات والسعودية والبحرين ومصر. على مدى أربع سنوات، استخدمت جميع الأطراف المشاركة في هذه المعركة كل الأدوات الإعلامية والدبلوماسية المتاحة لتشويه صورة بعضها البعض أمام الرأي العام المحلي والدولي. حتى أن بعض المراقبين يزعمون أن الإمارات دعمت أحزاب المعارضة والسياسيين الأتراك لدفع الرأي العام التركي ضد القيادة السياسية الحالية. على الرغم من هذا التنافس القوي، قررت تركيا والإمارات، بين عشية وضحاها، الجلوس والتحدث. كيف حدث هذا؟ لماذا الان؟ هل سيؤثر ذلك على العلاقة بين تركيا وقطر في المستقبل؟ من الذي سيستفيد أو يخسر من هذا التقارب؟
من ناحية، من المتوقع أن تستفيد تركيا من التعاون مع الإمارات. على الأقل، يمكن الآن مناقشة العديد من الخلافات الإقليمية المعلقة بين الطرفين بشكل علني ونأمل أن يتم تسويتها. كما أن هذا التعاون قد يساهم في إنقاذ تركيا من متاعبها الاقتصادية، التي تتراوح من السقوط الحاد في الليرة إلى إنفاق الدولة الاضطراري على حرائق الغابات التي اندلعت مؤخراً، فضلاً على تأثيرها مستقبلاً على حركة السياحة. قد يؤدي تعاون تركيا والإمارات في إنقاذ الاقتصاد إلى تحسين وضع الحزب الحاكم في نظر المواطنين الأتراك، لا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات العامة المقبلة. كما أنه بإنهاء سنوات من التصادم مع الإمارات، ستوقف تركيا على الأقل مزيد من الأذى الذي قد يلحق بها في المستقبل، وتفعل فرصة لاستثمارات الإمارات داخل تركيا لإنعاش خزينة الدولة وتعافي الليرة.
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عقب لقائه مع مستشار الأمن القومي الإماراتي، إن "تركيا والإمارات قد أحرزتا تقدماً في علاقتهما"، مشيراً إلى أنه قد يجتمع مع رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد، لمتابعة وعود الإمارات بضخ ودائع مالية كبيرة في خزينة الدولة التركية. على الرغم من توتر العلاقات بين تركيا والإمارات في الماضي، إلا أن ميزان التبادل التجاري بين البلدين قد حافظ على مستواه، بل إنه تفوق في أوقات معينة على حجم التجارة بين قطر وتركيا، مثلاً، على الرغم من علاقتهما السياسية الجيدة. من المتوقع أن تؤدي المصالحة التركية-الإماراتية إلى تحسين العلاقات الاقتصادية بينهما أكثر من ذلك.
من ناحية أخرى، من المتوقع أيضًا أن تستفيد الإمارات بشكل كبير من إصلاح علاقتها المضطربة مع تركيا. تلعب تركيا والإمارات دورًا رئيسيًا في معظم الصراعات المحتدمة في أرجاء الشرق الأوسط وأفريقيا ومؤخراً في أفغانستان. قد يؤدي التعاون بين تركيا والإمارات بشأن هذه النزاعات إلى تسريع معالجة الملفات المتوترة بينهما. علق الأكاديمي الإماراتي، الدكتور عبد الرحمن الطريفي، على ذلك مشيرا إلى أن "الإمارات وتركيا على المسار الصحيح ويجب أن تكون هناك حالة توازن في منطقة مجلس التعاون الخليجي لمواجهة التهديد الخارجي".
بالإضافة إلى ذلك، وجدت الإمارات في تركيا الشريك المثالي للتعويض عن فشلها في تحقيق الاستفادة القصوى من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، العام الماضي. الإمارات، أيضًا، لديها عسرات اقتصادية تقلق بشأنها، خاصة بعد الانخفاض الحاد مؤخراً في أسعار النفط. لحل هذا الوضع، تحتاج الإمارات إلى موازنة علاقاتها مع القوى الإقليمية والدولية. تعتبر تركيا بوابة مهمة إلى السوق الأوروبية يمكن للإمارات استخدامها لتوسيع فرصها الاقتصادية خارج حدودها وخارج منطقة الشرق الأوسط. العلاقة الجيدة مع تركيا تعني تقدمًا أسرع للإمارات في مساعيها لتنويع مصادر دخلها.
أخيرًا، هناك سؤالان يجب طرحهما بعد اجتماع أردوغان وطحنون: ماذا عن قطر؟ وماذا عن الإخوان المسلمين؟ المنافسة السياسية والاقتصادية بين الإمارات وقطر قديمة وعميقة. هذا يعني أنهم قد يعودون إلى الصراع مع بعضهم البعض مرة أخرى في المستقبل. كذلك، تتبنى الإمارات وتركيا مواقف متعارضة بشدة تجاه الإخوان المسلمين. بينما تدعم تركيا وتحمي الجماعة وأعضائها الهاربين من دولهم العربية، بينما كانت ومازالت الإمارات تكافح تأثير جماعة الإخوان ليس في المنطقة فقط ولكن حول العالم. على الأرجح، لن يؤثر التقارب بين تركيا والإمارات على العلاقة بين قطر وتركيا في الوقت الحالي. لكن إذا تم التوصل إلى مصالحة ناجحة بين تركيا والسعودية، فقد يمثل ذلك ضربة قوية لقطر، كما ستكون ضربة قوية للإخوان المسلمين أيضاً.
في الختام، أثبت لقاء الرئيس التركي أردوغان ومستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون أن الدول أكثر براغماتية من شعوبها. تلعب المصالح الاقتصادية دورًا كبيرًا في إعادة تشكيل العلاقة بين أنقرة وأبو ظبي على الرغم من كل الخلافات السياسية والتنافس الإقليمي فيما بينهما. في وقت قصير للغاية، نجح البلدان في تنحية معاركهما السياسية والعسكرية جانباً والسعي لتحقيق المصالحة من أجل تحقيق مصالح كل منهما. اجتماع مثل هذا يبشر بمستقبل أكثر استقراراً في المنطقة.
Comentários