في مطلع شهر يناير، قامت مجموعة من مؤيدي الرئيس ترامب باقتحام مبنى الكونجرس الأمريكي، وحطموا النوافذ، ودمروا مكتب رئيس مجلس النواب، واقتحموا غرفة مجلس النواب، ضمن أشياء أخرى. منذ ذلك الحين، أدى جو بايدن اليمين كرئيس للولايات المتحدة بدون حوادث، وظل دونالد ترامب ومؤيديه هادئين نسبيًا، مما دفع كثيرين في الولايات المتحدة وحول العالم إلى التطلع بشغف نحو المستقبل، وطوي صفحة الماضي.
إلا أنه بحسب وصف رانج علاء الدين، من مركز بروك ينغز لسياسة الشرق الأوسط، في حين أن التمرد في مبنى الكابيتول قد يكون له "عواقب محدودة في داخل الوطن، حيث تظل المؤسسات الديمقراطية ومؤسسات إنفاذ القانون قوية وفعالة،" إلا أن فشل أمريكا في اتباع المعايير التي أصرت على أن العالم يجب أن يتبعها قد يكون له آثار مضاعفة حول العالم، وخاصة في الشرق الأوسط.
بالنسبة لمن يناهضون التطور الديمقراطي في الشرق الأوسط، كان حادث اقتحام الكونجرس فرصة مثالية لنزع الشرعية عن فكرة الدولة الديمقراطية وتبرير معاداتهم لها. آية الله خامنئي، العدو الأشهر للولايات المتحدة، نشر على تويتر تعليقاً بشأن اقتحام الكونجرس: "هذه ديمقراطيتهم، وهذا فشلهم الانتخابي،" مشيرًا إلى "القيم الأمريكية" التي "يسخر منها حتى أصدقائهم"، كما سخر وزير الدفاع الإيراني السابق، حسين دهقان، في تغريدة خاصة به على تويتر قائلاً: "مهندس كل أعمال الشغب والانقلاب والثورات الملونة" أصبح الآن "رهن لدى المحتجين"، وأشار إلى أن هذا هو نهاية "الحلم الأمريكي".
وقد شاركهم السياسي العراقي البارز مقتدى الصدر نفس المشاعر، حيث كتب: "لطالما أخبرناكم أن ديمقراطية الغرب خداعة و مزيفة"، كما قام العديد من المواطنين العراقيين بمقارنة الأحداث التي وقعت في مبنى الكابيتول الأمريكي بأحداث الشغب التي وقعت في عام ٢٠١٦، عندما اقتحم مؤيدي الصدر مقر البرلمان العراقي، رغم أن الحادث العراقي لم يكن بسبب احتجاج على الانتخابات.
ومن غير الواضح إذا كانت الدعوة لأعمال الشغب في السادس من يناير، سوف تردع مواطني دول الشرق الأوسط، عن السعي لتحقيق الديمقراطية بشكل عام، ولكن من المؤكد أن سمعة الولايات المتحدة قد تأثرت بالتأكيد في عيون العديد من سكان المنطقة، فمثلاً قالت منى عمري، الصحفية العربية الإسرائيلية إن حادث اقتحام الكونجرس "قد حطم الصورة الذهنية لدي عن الكونجرس" وتابعت "إن قرارات الكونجرس المستقبلية لن يكون لها نفس الثقل". أما يوسف إريم، كبير المحللين السياسيين ورئيس تحرير تليفزيون تي آر تي التركي، فكان أكثر قسوة في انتقاده، حيث إدعى أنه بذلك "أمريكا فقدت مكانتها كقمة للديمقراطية" و توقع أن هذه الأحداث "ستعيق قدرة الولايات المتحدة على التدخل بشكل فعال في البلدان الأخرى لتشجيع الديمقراطية، في ضوء هذا الحادثة القبيحة التي وقعت في عاصمة بلادهم".
يمكن رؤية المزيد من الأدلة حول تأثر الصورة الأمريكية في عيون مواطني الشرق الأوسط عبر العديد من التغريدات الساخرة التي علقت على الوضع. إذ أشار كثيرون إلى التناقض بين تدخل الولايات المتحدة في دول الشرق الأوسط "غير المستقرة" في حين أنها غير قادرة على السيطرة على مواطنيها. دعت الصحفية هند حسن إلى الاحتفاظ بـ "القطع الأثرية الأمريكية المنهوبة" في المتحف الوطني العراقي ببغداد "إلى أجل غير مسمى من أجل حمايتها" بينما قال آخرون أنه على العراق وأفغانستان إرسال قوات حفظ السلام "لإنقاذ أمريكا. حتى بعض القادة السياسيون انضموا إلى ذلك الحديث الساخر، حيث قال الممثل اللبناني لدى الأمم المتحدة على تويتر "إذا رأت الولايات المتحدة ما تفعله الولايات المتحدة في الولايات المتحدة، ستغزو الولايات المتحدة الولايات المتحدة لتحرير الولايات المتحدة من استبداد الولايات المتحدة." وربما جاءت السخرية الأبرز من السياسيين الأتراك الذين عكسوا الكثير من التصريحات التي كانت قد صدرت عن الولايات المتحدة في يوليو ٢٠١٦، أثناء محاولة الانقلاب العسكري التي شهدتها تركيا، مثلاً علق رئيس البرلمان التركي على حادث الاقتحام قائلاً: "بصفتنا تركيا، كنا دائما نؤيد القانون والديمقراطية ونحن نوصي به الجميع".
لكن على الرغم من الأضرار التي لحقت بصورة الولايات المتحدة عالمياً، إلا أن هناك بعض الايجابيات التي يجب أخذها من هذا الحادث. فبرغم كل هذه الفوضى، اجتمع الكونجرس الأمريكي في وقت لاحق، في نفس يوم الاقتحام، وصمم أعضاء الكونجرس على مواصلة عملهم حتى في وقت كانوا يمر فيه الكونجرس بأصعب اختبار له منذ عقود، وظلت مؤسسات الولايات المتحدة قوية. أما بالنسبة لمن ما زالوا يؤمنون بالديمقراطية في الشرق الأوسط، فإن انتصار دولة المؤسسات على الفوضى الشعبوية سوف يكون هو ردهم الأقوى على من يدعون بأن الديمقراطية بلا فائدة أو لا تعمل. فكما أكد الصحفي الفلسطيني داود كتاب "إن الشرق الأوسط يجب أن ينظر إلى دور الصحافة الحرة والقضاء المستقل في الولايات المتحدة في دعم القيم الديمقراطية من خلال معارضة الانتخابات كحافز لمواصلة عملهم على إصلاح الحريات الصحفية والقضائية".
أما بالنسبة للولايات المتحدة، فيرى مارسين الشمري أن حادث اقتحام الكونجرس يجب أن يكون حافزاً لمقاربة جهود من أجل تشجيع الديمقراطية في الشرق الأوسط، بدرجة من التواضع. ويقول الشمري "في المستقبل، من الأفضل للولايات المتحدة أن تتعامل مع الدول التي تتبنى الديمقراطية بغطرسة أقل، وأن تدرك أن الانقسامات الاجتماعية التي تجعل الحكم صعبًا في العراق مماثلة للتفاوتات الاجتماعية والعرقية غير المعالجة التي ابتلي بها المجتمع الأمريكي".
Comentarios